-A +A
شتيوي الغيثي
الحياة قائمة على المشاركة الإنسانية، ولا يمكن أن تقوم هذه المشاركة ما لم يكن هناك تعايش سلمي بين أتباع الثقافات المختلفة أو أتباع الديانات المتعددة بعدد المجتمعات البشرية ومعتقداتها السماوية وغير السماوية.
يحصل في بعض الأحيان أن تتحول تلك المشاركة الحياتية إلى صدام بفعل أشياء كثيرة، منها التعصب الديني والتطرف الفكري، على اعتبار إلغاء الآخر المختلف دينيا، فتصبح الحياة أقرب إلى معركة كبرى بين أتباع الأديان، وهذا ما خلق الصدام الطويل بين كل هذه الثقافات رغم أن كل دين أو ثقافة لديه ما يكفي من النصوص الدينية أو الوضعية التي تحث على السلم والتعايش، بما فيها آيات القرآن الكريم: (ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن ). وبرأيي أن هذه قاعدة أساسية في الإسلام ومن قيمه الكبرى.

وأمام جميع الثقافات والأديان تحديات من داخلها وخارجها لإعادة مفهوم التعايش؛ بسبب الكثير من الانحرافات الفكرية التي سارت على غير الخطى التسامحية أو التعايشية، ولذلك كثيرا ما كان الصدام داخليا وخارجيا، وكان التحدي كبيرا في إعادة فكر التعايش والسلم إلى الواجهة من جديد.
ومن يدقق النظر، فلن يعوزه الأمر في اكتشاف تلك المساحة الكبيرة للمشتركات الإنسانية التي يمكن التعايش معها كقيم إنسانية أولا ودينية ثانيا.
والسعودية، بوصفها ملتقى الأفئدة الإسلامية من كل أنحاء العالم لاحتضانها الحرمين الشريفين، فإنها كانت ولا تزال مؤهلة جدا لأن تنشر السلام بين أتباع الديانات كلها، وأن تعيد زرع وغرس القيم التسامحية والتعايشية وإعادتها إلى الصدارة الفكرية الإسلامية، بوصفها الدولة الإسلامية التي تجمع المسلمين وتسهل لهم مناسك الحج والعمرة، ما يجعها قادرة على بلورة مفهوم التعايش من جديد.
وتأتي مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز لحوار أتباع الديانات والثقافات كأهم المبادرات العربية والإسلامية، بل وحتى العالمية لإعادة الحوار السلمي والتعايش الإنساني بين شعوب المنطقة وشعوب العالم أجمع، وكان مركز الملك عبدالله للحوار فاعلا في هذا الجانب، وله مشاركاته المستنيرة من مكة وإلى إسبانيا ثم ماليزيا وإندونيسيا.
جاءت الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة لتفعل هذه المبادرة لعقد الندوات والمؤتمرات لتفعيل هذه المبادرة بالمشاركة مع عدد من الجامعات الخارجية، حيث كان أول لقاء العام الماضي في الجامعة الإسلامية بماليزيا التي اعتبرت انطلاقة لتلك المؤتمرات والندوات، ثم أعقبتها ندوة أخرى منتصف الأسبوع الماضي في العاصمة الإندونيسية جاكرتا بمشاركة الجامعة الإسلامية بإندونيسيا، فكانت أشبه بملتقى جامعتين إسلاميتين لتفعيل مبادرة خادم الحرمين الشريفين لحوار أتباع الأديان والثقافات بأوراق عمل كانت فاعلة في خلق فضاء حواري صب أكثرها على تلك المبادرة، وسلطت عليها الضوء من الجانبين الإسلاميين: ممثلي الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة من العمداء والمحاضرين، وممثلين من الجامعة الإسلامية بجاكرتا، إضافة إلى بعض الأوراق الفاعلة من أطراف خارج الجامعتين.
وإذ تأتي هذه المبادرة وتفعليها من قبل هاتين الجامعتين، فإننا أمام عمل ومجهود كبير تشكر عليها الجامعة الإسلامية التي دائما ما عودتنا على فعالياتها المتميزة طيلة الخمس سنوات القريبة الماضية بجهود لا نظير لها في جامعاتنا التي نتمنى ــ فعلا ــ لو أنها حركت الكثير من الراكد الثقافي في مبادرات عديدة قريبة من مشاركة الجامعة الإسلامية.
وتأتي أهمية فاعلية الجامعة الإسلامية في تفعيل الندوات الحوارية بين أتباع الديانات والثقافات، كونها الجامعة السعودية التي تضم أكثر من مئة وستين جنسية من مختلف الثقافات من القارات الست بلا استثناء، ما يجعلها الجامعة الأقدر على تفعيل تلك المبادرة لحوارية عامة بين الثقافات المختلفة، سواء أكانت إسلامية أو غير إسلامية من خلال مفهوم التعايش أولا، والسلام ثانيا، والاعتدال ثالثا، ومتى خرجت عن هذه الأمور الثلاثة، فإن الحياة يمكن أن تتحول إلى جحيم لا يطاق.
لطالما كانت المجتمعات العربية والإسلامية والغربية أو الشرقية تحلم بالسلام العالمي، فهل تصبح تلك المبادرة وفاعلية الجامعات الإسلامية بمختلف دولها خالقة لفضاء حواري وسلمي عالمي مؤثر لا يقف عند نطاقنا الإسلامي فقط؟.. أتمنى ذلك.